في مكة / قبل النبوة
إن من رعاية الله
لنبيه- صلى الله عليه وسلم – أن هيأ له من يرعاه ويكفله بعد ولادته، فقد
هيأ الله لكفالته بعد ولادته أمه، ثم جده، ثم عمه، حتى صار رجلاً يقوم
برعاية نفسه، والله يؤيده، ويحميه ويحرسه، ويعصمه من الناس.
وقد امتن الله عليه
بذلك في كتابه الكريم حيث قال: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} سورة
الضحى (3). إلى قوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* وَوَجَدَكَ
ضَالًّا فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} سورة الضحى (6)(. وكان
من الذين سخرهم الله لإيوائه وكفالته أمه، ثم ما لبثت أن توفيت، فكفله
جده، ثم لما توفي كفله عمه، وإليك بيان ذلك:
أولاً: كفالة أمه:
لقد عادت بالحبيب -
صلى الله عليه وسلم- مرضعته حليمة السعدية لتكفله أمه آمنة، ويرعاه جده
عبد المطلب ، والله - تعالى - كالئ الكل وحافظهم. وبهذا كانت آمنة الوالدة
أول كافل للنبي - صلى الله عليه وسلم- في صباه، وشاء الله - تعالى - أن
تخرج آمنة بغلامها الذكيّ النقي الطاهر إلى يثرب (المدينة) لتزيره أخواله
من بني عدي بن النجار إذ هم أخوال أبيه، وخال الأب خال الابن، لأن أمّ عبد
المطلب والد عبد الله هي سلمى بنت عمرو النجاريَّة. ولما وصلت آمنة
بالأبواء عائدة من المدينة إلى مكة أدركتها المنية فماتت بها، وحضنت
الحبيب محمداً الغلام اليافع مولاة أبيه أم أيمن بركة باركها الله ورضي
عنها.
إنها أم أسامة حِبُّ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وابن حبه زيد بن حارثة مولاه - رضي الله
عنه وأرضاه - ، فوصلت به حاضنته أم أيمن مكة المكرمة فسلمته إلى جده عبد
المطلب(1).
ثانياً: كفالة جده عبد المطلب:
وبعد موت أم النبيّ
- صلى الله عليه وسلم- كفله جده عبد المطلب، وضمَّه إليه، ورقَّ عليه رقة
لم يرقها على ولده، وكان يقربه منه ويدنيه، ويدخل عليه إذا خلا، وإذا نام،
ولا يأكل طعاماً إلا ويقول: (عليّ ابني) فيؤتى به إليه، وبذلك عوَّضه
الله. بحنان جده عن حنان الأبوين، وكانت حاضنته أم أيمن بعد وفاة أمه
يعترف لها بذلك، ويقول: (هي أمي بعد أمي)(2). وكان عبد المطلب كثيراً ما
يقول لها: يا بركة لا تغفلي عن ابني فإني وجدته مع غلمان قريب من السدرة،
وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبي هذه الأمة.
وكان الجد يُسر لما
يرى من مخايل الشرف والعزة على حفيده محمد، فقد كان لعبد المطلب فراش يوضع
في ظل الكعبة، وكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه لا يجلس عليه
أحد من بنيه إجلالاً له، فكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم- – يأتي وهو
غلام يافع فيجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب،
والغبطة تملأ نفسه: دعوا ابني، فو الله إن له لشأناً!. ثم يجلس معه على
فراشه، ويمسح ظهره بيمينه ويضمه إليه.
فلما حضرت عبد
المطلب الوفاة أوصى ابنه أبا طالب بكفالة النبيّ وحياطته، ثم مات عبد
المطلب، ودفن بالحجون، وكانت سن النبيّ ثماني سنين.
ثالثاً: كفالة عمه أبي طالب له:
ثم كفله عمه أبو
طالب، ولم يكن أبو طالب بأكبر بني عبد المطلب، ولا بأكثرهم مالاً، ولكنه
كان أشرف قريش وأعظمها مكانة، وأكرمها نفساً، وقد أحب أبو طالب ابن أخيه
محمد حباً شديداً، لا يحبه أحداً من ولده، فكان لا ينام إلا إلى جنبه،
ويخرج فيخرج معه، وصَبَّ به صَبابة(3) . لم يصب مثلها بشيء قط.
وكان يخصه بالطعام،
وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم
رسول الله - صلى الله عليه وسلم- شبعوا، فكان إذا أراد أن يؤكلهم قال: كما
أنتم حتى يأتي ولدي، فيأتي النبيّ فيأكل معهم، فكانوا يفضلون من طعامهم،
فيعجب أبو طالب، ويقول: إنك لمبارك. وكان الصبيان يصبحون رمصاً شُعثاً (4)
. ويصبح محمد دهيناً كحيلاً، وقد زاده حباً في نفسه ما كان يتحلَّى به
النبيّ في صباه من طيب الشمائل، وكريم الآداب في هيئة الأكل، والشرب،
والجلوس، والكلام، مما يعز وجوده في هذه السن بين الصبيان، ويدل على أن
الله - سبحانه - فطره من صغره على خير الخلال والآداب (5) . وخرج به عمّه
إلى الشام في تجارة وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وذلك من تمام لطفه به، لعدم
مَنْ يقوم به إذا تركه بمكة، فرأى هو وأصحابه ممن خرج معه إلى الشام من
الآيات فيه - صلى الله عليه وسلم- ما زاد عمّه في الوصاة به والحرص عليه،
كما رواه الترمذي في جامعه بإسناد رجاله كلهم ثقات، من تظليل الغمامة له،
وميل الشجرة بظلها عليه، وتبشير بحيرة الراهب به، وأمره لعمه بالرجوع به
لئلا يراه اليهود فيرومونه سوءً6.
[size=16] [size=16][size=12] [/size][/size][/size]
إن من رعاية الله
لنبيه- صلى الله عليه وسلم – أن هيأ له من يرعاه ويكفله بعد ولادته، فقد
هيأ الله لكفالته بعد ولادته أمه، ثم جده، ثم عمه، حتى صار رجلاً يقوم
برعاية نفسه، والله يؤيده، ويحميه ويحرسه، ويعصمه من الناس.
وقد امتن الله عليه
بذلك في كتابه الكريم حيث قال: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} سورة
الضحى (3). إلى قوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى* وَوَجَدَكَ
ضَالًّا فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} سورة الضحى (6)(. وكان
من الذين سخرهم الله لإيوائه وكفالته أمه، ثم ما لبثت أن توفيت، فكفله
جده، ثم لما توفي كفله عمه، وإليك بيان ذلك:
أولاً: كفالة أمه:
لقد عادت بالحبيب -
صلى الله عليه وسلم- مرضعته حليمة السعدية لتكفله أمه آمنة، ويرعاه جده
عبد المطلب ، والله - تعالى - كالئ الكل وحافظهم. وبهذا كانت آمنة الوالدة
أول كافل للنبي - صلى الله عليه وسلم- في صباه، وشاء الله - تعالى - أن
تخرج آمنة بغلامها الذكيّ النقي الطاهر إلى يثرب (المدينة) لتزيره أخواله
من بني عدي بن النجار إذ هم أخوال أبيه، وخال الأب خال الابن، لأن أمّ عبد
المطلب والد عبد الله هي سلمى بنت عمرو النجاريَّة. ولما وصلت آمنة
بالأبواء عائدة من المدينة إلى مكة أدركتها المنية فماتت بها، وحضنت
الحبيب محمداً الغلام اليافع مولاة أبيه أم أيمن بركة باركها الله ورضي
عنها.
إنها أم أسامة حِبُّ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وابن حبه زيد بن حارثة مولاه - رضي الله
عنه وأرضاه - ، فوصلت به حاضنته أم أيمن مكة المكرمة فسلمته إلى جده عبد
المطلب(1).
ثانياً: كفالة جده عبد المطلب:
وبعد موت أم النبيّ
- صلى الله عليه وسلم- كفله جده عبد المطلب، وضمَّه إليه، ورقَّ عليه رقة
لم يرقها على ولده، وكان يقربه منه ويدنيه، ويدخل عليه إذا خلا، وإذا نام،
ولا يأكل طعاماً إلا ويقول: (عليّ ابني) فيؤتى به إليه، وبذلك عوَّضه
الله. بحنان جده عن حنان الأبوين، وكانت حاضنته أم أيمن بعد وفاة أمه
يعترف لها بذلك، ويقول: (هي أمي بعد أمي)(2). وكان عبد المطلب كثيراً ما
يقول لها: يا بركة لا تغفلي عن ابني فإني وجدته مع غلمان قريب من السدرة،
وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبي هذه الأمة.
وكان الجد يُسر لما
يرى من مخايل الشرف والعزة على حفيده محمد، فقد كان لعبد المطلب فراش يوضع
في ظل الكعبة، وكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه لا يجلس عليه
أحد من بنيه إجلالاً له، فكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم- – يأتي وهو
غلام يافع فيجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب،
والغبطة تملأ نفسه: دعوا ابني، فو الله إن له لشأناً!. ثم يجلس معه على
فراشه، ويمسح ظهره بيمينه ويضمه إليه.
فلما حضرت عبد
المطلب الوفاة أوصى ابنه أبا طالب بكفالة النبيّ وحياطته، ثم مات عبد
المطلب، ودفن بالحجون، وكانت سن النبيّ ثماني سنين.
ثالثاً: كفالة عمه أبي طالب له:
ثم كفله عمه أبو
طالب، ولم يكن أبو طالب بأكبر بني عبد المطلب، ولا بأكثرهم مالاً، ولكنه
كان أشرف قريش وأعظمها مكانة، وأكرمها نفساً، وقد أحب أبو طالب ابن أخيه
محمد حباً شديداً، لا يحبه أحداً من ولده، فكان لا ينام إلا إلى جنبه،
ويخرج فيخرج معه، وصَبَّ به صَبابة(3) . لم يصب مثلها بشيء قط.
وكان يخصه بالطعام،
وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم
رسول الله - صلى الله عليه وسلم- شبعوا، فكان إذا أراد أن يؤكلهم قال: كما
أنتم حتى يأتي ولدي، فيأتي النبيّ فيأكل معهم، فكانوا يفضلون من طعامهم،
فيعجب أبو طالب، ويقول: إنك لمبارك. وكان الصبيان يصبحون رمصاً شُعثاً (4)
. ويصبح محمد دهيناً كحيلاً، وقد زاده حباً في نفسه ما كان يتحلَّى به
النبيّ في صباه من طيب الشمائل، وكريم الآداب في هيئة الأكل، والشرب،
والجلوس، والكلام، مما يعز وجوده في هذه السن بين الصبيان، ويدل على أن
الله - سبحانه - فطره من صغره على خير الخلال والآداب (5) . وخرج به عمّه
إلى الشام في تجارة وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وذلك من تمام لطفه به، لعدم
مَنْ يقوم به إذا تركه بمكة، فرأى هو وأصحابه ممن خرج معه إلى الشام من
الآيات فيه - صلى الله عليه وسلم- ما زاد عمّه في الوصاة به والحرص عليه،
كما رواه الترمذي في جامعه بإسناد رجاله كلهم ثقات، من تظليل الغمامة له،
وميل الشجرة بظلها عليه، وتبشير بحيرة الراهب به، وأمره لعمه بالرجوع به
لئلا يراه اليهود فيرومونه سوءً6.
[size=16] [size=16][size=12] [/size][/size][/size]